المعضلات التي تواجه المؤسسين: النسبة التي يحصل عليها كل مؤسس

تُعتبر نسبة التوزيع بين المؤسسين من القضايا الجوهرية التي تؤثر بشكل كبير على مستقبل الشركات الناشئة والمؤسسات الجديدة. فهي ليست مجرد مسألة حسابات رياضية تخص تقسيم الأسهم أو الحصص المالية، بل تمثل انعكاسًا عميقًا على التوازن بين الأدوار والمسؤوليات، وتقدير الجهود، وإدارة الصراعات المحتملة، وضمان الاستمرارية والنجاح للمشروع. ولذا، فإن فهم هذه المعضلة بشكل علمي ومنهجي يساعد في تفادي الكثير من المشاكل التي قد تعصف بالمشاريع الناشئة في مراحلها الأولى، ويُؤسس لبيئة عمل متماسكة وفعالة.

مفهوم نسبة المؤسسين وأهميتها

تُعرف نسبة المؤسسين بأنها الحصة أو الأسهم التي يحصل عليها كل مؤسس في الشركة أو المؤسسة، ويتم التعبير عنها عادةً كنسبة مئوية من إجمالي رأس المال أو الأسهم القائمة. هذه النسبة تعكس درجة الملكية، والسلطة، والقرار، وكذلك الحصة في الأرباح والمخاطر.

أهمية هذه النسبة تتجلى في:

• توزيع السلطة والمسؤولية: النسبة تحدد مدى قدرة كل مؤسس على التأثير في قرارات الشركة سواء على المستوى الاستراتيجي أو التشغيلي.

• تحفيز العمل والالتزام: نسبة عادلة تعزز من دافع المؤسسين للعمل الجاد وتحمل المخاطر، وتمنع الشعور بالظلم أو التهميش.

• تحديد المشاركة في الأرباح والخسائر: النسبة ترتبط مباشرة بالحصة من الأرباح وفي حالة الفشل تتحمل المخاطر بنفس النسبة.

• تجنب النزاعات: وضوح النسبة في البداية يحد من الخلافات المستقبلية التي قد تنشأ عن شعور بالظلم أو عدم تقدير المساهمات.

التحديات الأساسية في تحديد نسبة كل مؤسس

1. اختلاف حجم المساهمة بين المؤسسين

غالبًا ما يكون المؤسسون شركاء يمتلكون مهارات وخبرات ومساهمات مختلفة من حيث الوقت، المال، الفكرة، أو الجهد. فمثلاً، قد يكون هناك مؤسس يحمل فكرة المشروع، وآخر يتمتع بخبرة إدارية واسعة، وثالث يساهم برأس المال.

هذا التنوع يصعب قياسه بشكل موضوعي. كيف يمكن مقارنة مساهمة الفكرة مع رأس المال؟ هل الوقت الذي يقضيه المؤسس في العمل يعادل الخبرة السابقة أو الموارد التي جلبها؟

2. تقييم الأدوار المستقبلية مقابل الأدوار الحالية

بعض المؤسسين قد يساهمون بجهد مادي أو مالي كبير في البداية، لكن أدوارهم في الإدارة أو التنفيذ قد تكون محدودة لاحقًا، بينما قد يكون الآخرون أقل مساهمة أولية لكنهم سيلعبون دورًا أساسيًا في تطور الشركة على المدى البعيد.

هذا يثير سؤالًا جوهريًا: هل تُحدد النسبة على المساهمات الفعلية حتى الآن، أم على الأدوار المتوقعة والمستقبلية؟ وهذا أمر ليس من السهل حسمه أو الاتفاق عليه.

3. تأثير رأس المال المادي على النسبة

عندما يكون أحد المؤسسين هو الممول الأساسي أو الوحيد للشركة، يصبح تحديد نسبة الملكية أكثر تعقيدًا. فهل يعطي هذا المؤسس نفسه غالبية الأسهم، أم يتم توزيع النسبة بحيث تعكس الجهود والمساهمات الأخرى؟

عادةً ما يتسبب تدخل رأس المال المادي في توترات، إذ يشعر المؤسسون الآخرون بأن الممول يملك سلطة أكبر حتى لو لم يكن يشارك في الإدارة أو العمل الفعلي.

4. الخلافات الناتجة عن تفاوت الرغبات والطموحات

الطموحات الشخصية للمؤسسين تلعب دورًا كبيرًا في تحديد النسب. فكل مؤسس يطمح إلى أن تكون حصته عادلة أو متفوقة، وهذا قد يؤدي إلى خلافات أو نزاعات تؤثر سلبًا على البيئة التعاونية.

هناك أيضاً اختلاف في مدى قبول المؤسسين بالتنازلات أو المرونة، إذ يتطلب الأمر حسًا عاليًا بالتعاون والتفاهم لتجاوز هذه العقبات.

5. غياب المعايير والقواعد الثابتة

لا توجد قاعدة موحدة أو معيار صارم لتحديد النسب، فكل حالة تختلف عن الأخرى بحسب طبيعة المشروع، نوعيته، والخلفيات المتنوعة للمؤسسين. هذا يجعل عملية التفاوض أكثر تعقيدًا وحساسية.

الأساليب المتبعة لتحديد نسب المؤسسين

يمكن تصنيف الأساليب المتبعة إلى عدة نماذج تعتمد على معايير محددة، تهدف إلى تحقيق توزيع عادل وشفاف يضمن استقرار الشركة:

1. التوزيع المتساوي (Equal Split)

هذا النموذج يقوم على مبدأ تقسيم الأسهم بالتساوي بين جميع المؤسسين بغض النظر عن مساهماتهم المختلفة. تعد هذه الطريقة شائعة خصوصًا في الشركات الناشئة الصغيرة التي يسعى فيها المؤسسون لتجنب التعقيد وللتركيز على العمل المشترك.

لكن هذه الطريقة قد تكون غير عادلة في حال وجود اختلافات كبيرة في المساهمة، مما قد يؤدي إلى إحباط من قبل المؤسسين الذين قدموا جهودًا أو أموالًا أكبر.

2. التوزيع على أساس المساهمة الفعلية (Contribution-Based Split)

يقوم هذا النموذج على تقييم المساهمات المالية، الزمنية، الفكرية، والعملية لكل مؤسس، ثم تحديد نسبة الملكية بناءً على هذا التقييم. هناك أدوات ومنهجيات تساعد في قياس هذه المساهمات، مثل تقييم ساعات العمل، رأس المال المستثمر، القيمة السوقية للفكرة، والمهارات الفنية.

هذا النموذج يوفر مرونة وعدالة أكبر لكنه يتطلب شفافية عالية واتفاق مسبق على معايير التقييم، مما قد يكون معقدًا أو يؤدي إلى نزاعات.

3. التوزيع على أساس الأدوار والمسؤوليات (Role-Based Split)

يعتمد هذا الأسلوب على تحديد نسبة الملكية بناءً على الدور الذي سيلعبه كل مؤسس في إدارة وتشغيل المشروع. فمثلاً، المؤسس الذي يتولى الإدارة التنفيذية اليومية قد يحصل على نسبة أكبر من الذي يشارك بمساهمة أقل تأثيرًا على الأداء.

هذا النموذج يعكس طبيعة العمل الفعلية لكنه قد يهمل مساهمات ذات أهمية غير مباشرة، مثل التمويل أو تقديم الاستشارات.

4. توزيع الأسهم الديناميكي (Dynamic Equity Split)

في هذا النموذج، تبدأ النسب بالتساوي أو بناءً على تقديرات أولية، لكنها قابلة للتعديل بناءً على مساهمات مؤسسية فعلية مع مرور الوقت. يتم تسجيل ساعات العمل، الموارد المقدمة، الإنجازات، ويعاد حساب النسب بشكل دوري.

يعتبر هذا الأسلوب الأكثر مرونة وإنصافًا، لكنه يتطلب نظامًا محكمًا لمتابعة المساهمات واتفاقًا قانونيًا واضحًا بين المؤسسين.

العوامل المؤثرة على اتخاذ القرار بخصوص النسب

هناك مجموعة من العوامل التي تؤثر بشكل مباشر على كيفية تحديد نسب المؤسسين وتوزيعها، ومن أهمها:

• نوع المشروع وطبيعته: مشاريع التقنية تختلف عن المشاريع التجارية التقليدية في متطلبات المهارات، والاستثمار، والجهد، وهذا يؤثر على تقييم المساهمات.

• عدد المؤسسين: كلما زاد عدد المؤسسين، زادت تعقيدات التوزيع بسبب تعدد الآراء والمساهمات المختلفة.

• المرحلة التي تم فيها التأسيس: الشركات التي تبدأ بفكرة واحدة فقط قد تحدد النسب بشكل مختلف عن تلك التي تجمع مؤسسين من خلفيات متنوعة في مراحل لاحقة.

• القوانين المحلية والأنظمة: بعض الدول تفرض قوانين محددة بخصوص تأسيس الشركات وتوزيع الأسهم، مما قد يقيّد الخيارات المتاحة.

• وجود مستثمرين خارجيين: قد تؤثر نسبة المؤسسين على مفاوضات التمويل الخارجي، حيث قد يطلب المستثمرون نسبًا معينة تؤثر على نسب المؤسسين.

آثار توزيع النسب غير العادل على المؤسسة

عدم التوافق على نسبة ملكية عادلة يؤدي إلى عدد من المشاكل التي قد تهدد بقاء الشركة أو تعوق نموها:

• نزاعات داخلية تؤدي إلى تفكك الفريق المؤسس.

• تراجع دافع العمل والالتزام بسبب الشعور بعدم الإنصاف.

• صعوبة اتخاذ القرارات بسبب الصراعات على السلطة.

• إضعاف صورة الشركة أمام المستثمرين والشركاء الخارجيين.

• تأخير أو إلغاء الخطط الاستراتيجية نتيجة الخلافات.

كيفية تجنب المعضلات المتعلقة بتحديد النسب

1. التفاوض المبكر والشفاف

ينبغي أن تتم مناقشة موضوع النسب بشكل واضح ومفصل منذ البداية، مع توثيق الاتفاقات في وثائق رسمية.

2. الاستعانة بوسطاء أو مستشارين قانونيين

المساعدة من خبراء قانونيين أو استشاريين في ريادة الأعمال تسهل التفاوض وتحمي حقوق الأطراف.

3. وضع نظام مرن لإعادة تقييم النسب

خصوصًا عند اعتماد نموذج الأسهم الديناميكي، يجب أن يكون هناك آلية واضحة لمراجعة وتعديل النسب.

4. توثيق كل الاتفاقات

إنشاء عقد تأسيس واضح يشمل تفاصيل النسب، الأدوار، ومسؤوليات كل مؤسس، بالإضافة إلى شروط الخروج أو البيع.

5. احترام المساهمات غير المالية

إعطاء قيمة عادلة للمساهمات الفكرية، الوقت، المهارات، والتواصل، وعدم التركيز فقط على رأس المال.

جدول يوضح نماذج توزيع نسب المؤسسين

خلاصة

تحديد نسبة كل مؤسس في الشركة من أكثر القرارات حيوية وتعقيدًا في تأسيس المشاريع الجديدة. هذه النسبة ليست مجرد أرقام بل هي انعكاس للمساهمات، الثقة، والاحترام المتبادل بين المؤسسين. التوازن بين العدل والمرونة، والوضوح في الاتفاق، والشفافية في التقييم، كلها عوامل تساهم في بناء فريق قوي قادر على مواجهة التحديات وتحقيق النجاح المستدام. كلما كان التوزيع مدروسًا بعناية وموضوعية، كلما زادت فرص بقاء المشروع وازدهاره.

المراجع:

1. Wasserman, Noam. The Founder’s Dilemmas: Anticipating and Avoiding the Pitfalls That Can Sink a Startup. Princeton University Press, 2012.

2. Harvard Business Review. How to Split Equity in a Startup, 2017. Available at: https://hbr.org/2017/02/how-to-split-equity-in-a-startup